يقول: (وأما الثاني: وهو أنه التصديق لا سائر ما في القلب من المعرفة والقدرة والعفة والشجاعة). فأخرج جميع أعمال القلب، فهم يقولون: إن الإيمان هو التصديق، وأما بقية أعمال القلب فليست من الإيمان، وأتى بأشياء أخرى كالمعرفة العلمية: كأن تعرف أن الكل أكبر من الجزء، وكذلك أي معرفة من المعارف البشرية لا تدخل، وكذلك القدرة والعفة والشجاعة، فهذه ليست داخلة عنده في الإيمان.
والإشكال ليس في العفة والقدرة، وإنما الكلام في اليقين، وفي المحبة، وفي الإنابة، وفي التوكل، وفي الخشوع، وفي أعمال إيمانية ارتباطها بالإيمان واضح.
يقول: (وأما الثاني فلوجوه: الأول: اتفاق الفريقين على أنه ليس سوى التصديق). يعني: الأشاعرة والماتريدية، والكلام متناقض؛ لأنه يريد أن يرجح أحد القولين باتفاق الفريقين، ولو اتفقا لم يكن عندنا قولان نحتاج أن نرجح بينهما، فالكلام إذاً فيه تناقض.
يقول: (إن الإيمان في اللغة التصديق) ولم يعين في الشرع لمعنى آخر، وهذه من شبهاته، فنرد عليه من ناحية اللغة أن الشرع قد نقل الحقائق والأسماء، فكل اسم فيها فهو منقول عما كان عليه في لغة العرب إلى مفهوم ومدلول شرعي، فالصلاة في لغة العرب هي الذكر، والزكاة في لغة العرب: النماء، والحج في لغة العرب: القصد، وكذلك الإيمان وغيره، فلو فرض أن الإيمان في لغة العرب هو: التصديق فقط؛ فإنه يكون قد نقل، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله جبريل فقال: ( أخبرني عن الإيمان )، وهو لم يسأله عن معنى الإيمان في اللغة، وإنما يريد أن يخبره عن الإيمان الشرعي الديني، ولهذا قال في آخر الحديث: ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )، وفي حديث وفد عبد القيس قال: ( أتدرون ما الإيمان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال‎: الإيمان: أن تشهد أن لا إله إلا الله... ) الحديث، فهذا هو الإيمان في الشرع وليس مجرد اللغة.
ثم يقول: (الثالث أن النقل خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا بدليل)، أي: أن نقل المعنى من اللغة إلى الشرع خلاف الأصل؛ فلا يصار إليه إلا بدليل، والدليل هنا واضح، وهذا الكلام باطل لمن تأمل كلام العرب ولغتهم، وعرف الشرع أيضاً ومدلولاته، وهذا الكلام موجود في شرح العقائد النسفية لـسعد الدين التفتازاني.